القائمة الرئيسية

الصفحات

مَنْزِلَةُ الخُشُوع

الخشوع 


 الخشوع في مدارج السالكين

الخشوع مِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} :
وهو سكون الجوارح والقلب عما يشغلها عن الله تعالى والذي قال ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ).

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ اسْتَبْطَأَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ، فَعَاتَبَهُمْ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ نُزُولِ الْقُرْآنِ،
وَقَالَ تَعَالَى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1] .

معنى الخشوع في اللغة :

‌والخشوع ‌في ‌أصل اللغة الانخفاض، والذل، والسكون، قال تعالى {وخشعت الأصوات للرحمن} [طه: 108] أي سكنت، وذلت، وخضعت، ومنه وصف الأرض بالخشوع، وهو يبسها، وانخفاضها، وعدم ارتفاعها بالري والنبات، قال تعالى {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت} [فصلت: 39] .

وَالْخُشُوعُ الشرعي:

والخشوع: ‌قيام ‌القلب ‌بين ‌يدي ‌الرب بالخضوع والذل، والجمعية عليه
وقيل: الخشوع الانقياد للحق، وهذا من موجبات الخشوع.
فمن علاماته أن العبد إذا خولف ورد عليه بالحق استقبل ذلك بالقبول والانقياد.
وقيل: الخشوع خمود نيران الشهوة، وسكون دخان الصدور، وإشراق نور التعظيم في القلب.

وقال الْجُنَيْدُ: " الخشوع تذلل القلوب لعلام الغيوب ".

وأجمع العارفون على أن الخشوع محله القلب، وثمرته على الجوارح، وهي تظهره، «ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يعبث بلحيته في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» «قال النبي صلى الله عليه وسلم التقوى هاهنا وأشار إلى صدره ثلاث مرات» وقال بعض العارفين: حسن أدب الظاهر عنوان أدب الباطن، ورأى بعضهم رجلا خاشع المنكبين والبدن، فقال: يا فلان، الخشوع هاهنا، وأشار إلى صدره، لا هاهنا، وأشار إلى منكبيه.

وكان بعض الصحابة رضي الله عنهم وهو حذيفة، يقول: إياكم وخشوع النفاق، فقيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع، ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا طأطأ رقبته في الصلاة، فقال: يا صاحب الرقبة، ارفع رقبتك، ليس الخشوع في الرقاب، إنما الخشوع في القلوب، ورأت عائشة رضي الله عنها شبابا يمشون ويتمارون في مشيتهم، فقالت لأصحابها: من هؤلاء؟ فقالوا: نساك، فقالت: كان عمر بن الخطاب إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع، وإذا أطعم أشبع، وكان هو الناسك حقا، وقال الفضيل بن عياض: كان يكره أن يري الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه، وقال حذيفة رضي الله عنه: أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ورب مصل لا خير فيه، ويوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيهم خاشعا، وقال سهل: من خشع قلبه لم يقرب منه الشيطان.

قال صاحب المنازل :
الخشوع: خمود النفس، وهمود الطباع لمتعاظم، أو مفزع.
يعني انقباض النفس والطبع، وهو خمود قوى النفس عن الانبساط لمن له في القلوب عظمة ومهابة، أو لما يفزع منه القلب.

درجات الخشوع

قال: وهو على ثلاث درجات، الدرجة الأولى: التذلل للأمر، والاستسلام للحكم، والاتضاع لنظر الحق.

التذلل للأمر:  تلقيه بذلة القبول والانقياد والامتثال. ومواطأة الظاهر الباطن، مع إظهار الضعف، والافتقار إلى الهداية للأمر قبل الفعل، والإعانة عليه حال الفعل، وقبوله بعد الفعل.

وأما الاستسلام للحكم : فيجوز أن يريد به الحكم الديني الشرعي، فيكون معناه عدم معارضته برأي أو شهوة، ويجوز أن يريد به الاستسلام للحكم القدري، وهو عدم تلقيه بالتسخط والكراهة والاعتراض.

والحق أن الخشوع هو الاستسلام للحكمين، وهو الانقياد بالمسكنة والذل لأمر الله وقضائه.
وأما الاتضاع لنظر الحق فهو اتضاع القلب والجوارح، وانكسارها لنظر الرب إليها، واطلاعه على تفاصيل ما في القلب والجوارح، وهذا أحد التأويلين في قوله تعالى {ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمن: 46] وقوله: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى} [النازعات: 40] وهو مقام الرب على عبده بالاطلاع والقدرة والربوبية.
والتأويل الثاني: أنه مقام العبد بين يدي ربه عند لقائه.

قال: الدرجة الثانية: ترقب آفات النفس والعمل، ورؤية فضل كل ذي فضل عليك، وتنسم نسيم الفناء

.يريد انتظار ظهور نقائص نفسك وعملك وعيوبهما لك، فإنه يجعل القلب خاشعا لا محال، لمطالعة عيوب نفسه وأعماله ونقائصهما من الكبر، والعجب، والرياء، وضعف الصدق، وقلة اليقين، وتشتت النية، وعدم تجرد الباعث من الهوى النفساني، وعدم إيقاع العمل على الوجه الذي ترضاه لربك، وغير ذلك من عيوب النفس، ومفسدات الأعمال

وأما رؤية فضل كل ذي فضل عليك فهو أن تراعي حقوق الناس فتؤديها، ولا ترى أن ما فعلوه من حقوقك عليهم، فلا تعاوضهم عليها. فإن هذا من رعونات النفس وحماقاتها. ولا تطالبهم بحقوق نفسك، وتعترف بفضل ذي الفضل منهم، وتنسى فضل نفسك.

قال: الدرجة الثالثة: حفظ الحرمة عند المكاشفة، وتصفية الوقت من مراءاة الخلق، وتجريد رؤية الفضل.

أما حفظ الحرمة عند المكاشفة فهو ضبط النفس بالذل والانكسار عن البسط والإدلال، الذي تقتضيه المكاشفة، فإن المكاشفة توجب بسطا، ويخاف منه شطح، إن لم يصحبه خشوع يحفظ الحرمة.
وأما تصفية الوقت من مراءاة الخلق فلا يريد به أن يصفي وقته عن الرياء، فإن أصحاب هذه الدرجة أجل قدرا وأعلى من ذلك.
وإنما المراد أن يخفي أحواله عن الخلق جهده، كخشوعه وذله وانكساره، لئلا يراها الناس فيعجبه اطلاعهم عليها، ورؤيتهم لها، فيفسد عليه وقته وقلبه وحاله مع الله، وكم قد اقتطع في هذه المفازة من سالك؟ والمعصوم من عصمه الله، فلا شيء أنفع للصادق من التحقق بالمسكنة والفاقة والذل، وأنه لا شيء، وأنه ممن لم يصح له بعد الإسلام حتى يدعي الشرف فيه
وأما تجريد رؤية الفضل فهو أن لا يرى الفضل والإحسان إلا من الله، فهو المان به بلا سبب منك، ولا شفيع لك تقدم إليه بالشفاعة، ولا وسيلة سبقت منك توسلت بها إلى إحسانه.
والتجريد هو تخليص شهود الفضل لوليه، حتى لا ينسبه إلى غيره، وإلا فهو في نفسه مجرد عن النسبة إلى سواه، وإنما الشأن في تجريده في الشهود، ليطابق الشهود الحق في نفس الأمر، والله أعلم.

فإن قيل: ما تقولون في صلاة من عدم خشوع هل يعتد بها أم لا ؟

قيل: أما الاعتداد بها في الثواب فلا يعتد له فيها إلا بما عقل فيه منها، وخشع فيه لربه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها.
وفي المسند مرفوعا «إن العبد ليصلي الصلاة، ولم يكتب له إلا نصفها، أو ثلثها، أو ربعها حتى بلغ عشرها» .
وقد علق الله فلاح المصلين بالخشوع في صلاتهم، فدل على أن من لم يخشع فليس من أهل الفلاح، ولو اعتد له بها ثوابا لكان من المفلحين.
وأما الاعتداد بها في أحكام الدنيا، وسقوط القضاء فإن غلب عليها الخشوع وتعقلها اعتد بها إجماعا، وكانت السنن، والأذكار عقيبها جوابر ومكملات لنقصها.
وإن غلب عليه عدم الخشوع فيها، وعدم تعقلها، فقد اختلف الفقهاء في وجوب إعادتها، فأوجبها أبو عبد الله بن حامد من أصحاب أحمد، وأبو حامد الغزالي في إحيائه، لا في وسيطه وبسيطه.
واحتجوا بأنها صلاة لا يثاب عليها، ولم يضمن له فيها الفلاح، فلم تبرأ ذمته منها، ويسقط القضاء عنه كصلاة المرائي.
قالوا: ولأن الخشوع والعقل روح الصلاة ومقصودها ولبها، فكيف يعتد بصلاة فقدت روحها ولبها، وبقيت صورتها وظاهرها؟ .
قالوا: ولو ترك العبد واجبا من واجباتها عمدا لأبطلها تركه. وغايته: أن يكون بعضا من أبعاضها بمنزلة فوات عضو من أعضاء العبد المعتق في الكفارة، فكيف إذا عدمت روحها، ولبها ومقصودها؟ وصارت بمنزلة العبد الميت، إذا لم يعتد بالعبد المقطوع اليد، يعتقه تقربا إلى الله تعالى في كفارة واجبة، فكيف يعتد بالعبد الميت.

قالوا: وتعطيل القلب عن عبودية الحضور والخشوع: تعطيل لملك الأعضاء عن عبوديته، وعزل له عنها، فماذا تغني طاعة الرعية وعبوديتها، وقد عزل ملكها وتعطل؟ .
قالوا: والأعضاء تابعة للقلب، تصلح بصلاحه، وتفسد بفساده، فإذا لم يكن قائما بعبوديته، فالأعضاء أولى أن لا يعتد بعبوديتها، وإذا فسدت عبوديته بالغفلة والوسواس فأنى تصح عبودية رعيته وجنده ومادتهم منه، وعن أمره يصدرون، وبه يأتمرون؟ .



  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
ابو تامر

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • عادي
  • متطور
  • ترتيب حسب الاحدث
    عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق
  1. قلت خشوع القلب عند ذكر الله، بالسكون والاتخفاض فقط يشبه الغفلة، فلابد من اضافة تعظيم الله ، وذلك ليكون الخشوع المرجو

    AntwortenLöschen

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي